کد مطلب:370288 سه شنبه 23 مرداد 1397 آمار بازدید:1007

کلمة أخیرة

كلمة أخیرة


كان ما ذكرناه فی هذا الكتاب مجرد ملاحظات، ولمحات وتحلیلات، تستند إلى الوقائع والنصوص، رأینا أنها جدیرة بالتسجیل والعرض ضمن فصول، وأبواب، وفق منهجیة اعتقدنا أنها تسهِّل لنا إیصال ما نرمی إلیه، إلى القارئ الكریم، مع حفظ التسلسل الطبیعی لها قدر الإمكان.


وقد یجد البعض ملامح ومبررات، تخوله أن یطلق علیها اسم بحث أو دراسة، ولن نعترض نحن بدورنا على هذه التسمیة، بل قد استخدمنا نحن هذا التعبیر أیضاً، مادمنا لم نجد حرجاً ظاهراً فی ذلك، غیر أن علینا أن نتعرف بأننا لم نخطط لهذه الدراسة منذ البدایة لتكون مستوعبة وشاملة، ولا لتأخذ هذه الصفة أو تلك.


وما نرید أن نشیر إلیه هنا هو: أن هذه الدراسة قد كتبت قبل سنوات لتقدم إلى أحد المؤتمرات، الذی توخى أن یبحث فی جوانب موضوعات كثیرة، كان من بینها الحركات والثورات التی ظهرت فی المجتمعات الإسلامیة على مدى التاریخ.












الصفحة 342


وقد وافق ذلك بعض المیل لدی إلى التعرف على هذا الموضوع بالذات الذی یمثل حالة كامنة، طالما عانى منها أمیر المؤمنین (علیه السلام).


لاعتقادی: أن ذلك یفید فی التعرف على المحیط، وما فیه من خصائص فكریة وحالات اجتماعیة، وغیرها مما كان یهیمن على الناس الذین عاشوا فی ذلك المحیط، وكان أمیر المؤمنین (علیه الصلاة والسلام) یتعامل معهم.


ومن الواضح: أن مستوى وعینا لذلك كله یؤثر بصورة مباشرة على فهمنا لحیثیات التعامل السیاسی والاجتماعی لأمیر المؤمنین (علیه الصلاة والسلام) ثم هو یؤثر على ما نستخلصه من دروس وعبر من مواقفه (علیه السلام) ومن حركته، فإنه الإمام المعصوم الذی یمثل الأسوة والقدوة.


ولكن علینا أن لا ننسى: أن هذه الدراسة أو هذا البحث ربما لم یستطع أن یلم بكل الجوانب، فقد بقیت ثمة مجالات كثیرة لابد من التصدی للبحث فیها إن عاجلاً أو آجلاً، لكی تكتمل ملامح الصورة، ولیمكن إصدار الأحكام بثقة أكثر، وباطمئنان أتم.


كما أن هذا البحث لم یتصدّ لمعالجة حركة أمیر المؤمنین (صلوات الله علیه)، بصورة تفصیلیة إلى حد الإغفال لأمور هامة إلا فی حدود الإشارة والإلماح والتوسع حیناً، وباختصار شدید أحیاناً أخرى..


ولأجل ذلك: فإن المفروض هو القیام بدراسات أخرى تهدف إلى استقصاء مواقفه (صلوات الله وسلامه علیه)، للتعرف على خصوصیاتها وجزئیاتها، بصورة أجمع وأوضح، وأوفى..


وكل ذلك الذی ذكرناه: یجعلنا نؤكد على أن هذه الدراسة تمثل دراسة تمهیدیة، ولیست هی الغایة ولا النهایة.












الصفحة 343


والتأمل فیما ذكرناه وسواه، وملاحظة الوقائع التاریخیة، التی ترتبط بظهور «الخوارج»، ومواقفه (علیه السلام) عنهم یجعلنا نخرج بحقیقة: أنه لم یكن لأمیر المؤمنین (علیه السلام) لا فی أصل نشأتهم ولا فی الظروف والعوامل التی ساعدت على ظهورهم أی اختیار، أو دور على الإطلاق.


كما أن ذلك یوضح: أن هؤلاء القوم لم یكونوا من أصحابه الذین تربوا على أفكاره، ومفاهیمه، التی هی الإسلام الخالص، ولا عرفوا من الإسلام إلا بعض الشعارات والظواهر العامة.. ولم یتربوا تربیة دینیة صحیحة وكاملة.. بل بقیت عصبیاتهم القبلیة، ومفاهیمهم الجاهلیة، ونزواتهم العاطفیة، ومصالحهم الشخصیة، وغیر ذلك مما تقدم.. هی المنطلق والدافع لهم فی مختلف تصرفاتهم ومواقفهم.


وكان لجهلهم، وللأحوال الاجتماعیة، والأخلاقیة، وحتى الاقتصادیة، وكذلك طبیعة الأحداث التی عاشوها بعد الفتح الإسلامی وغیر ذلك من أمور، كان لذلك كله حالة من الهیمنة على ذلك المجتمع آنذاك، وتأثیر كبیر على علاقاتهم بمحیطهم، و بقائدهم، ونوعیة ارتباطهم بهذا وذاك..


نعم.. وقد أدرك معاویة والأمویون. أو فقل: أعداء أمیر المؤمنین (صلوات الله علیه) بصورة عامة ذلك كله، واستفادوا منه ما أمكنهم فی سبیل تحقیق أهدافهم اللاإنسانیة، واللامشروعة.. إما بمواقفهم المباشرة أحیاناً، أو عن طریق التآمر والدس إلى عملائهم، والمیالین إلیهم أحیاناً أخرى.


وملاحظة أخیرة نسجلها هنا، وهی: أن ما جاء فی هذا البحث، بالإضافة إلى أمور كثیرة أخرى، ألمحنا إلى شیء منها فی سائر مؤلفاتنا












الصفحة 344


یمثل أنموذجاً، یفیدنا: أن علیاً أمیر المؤمنین (علیه الصلاة والسلام) هو العلم الفرد الذی حقق المعجزات الكبرى والخالدة فی مجال التعامل السیاسی.


ولن تجدی المحاولات المغرضة التی یبذلها خصوم وأعداء أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) منذ كان حیاً، وكذلك المستشرقون الحاقدون والمغرضون، ثم أحفاد أولئك، وأذناب هؤلاء. للحط من شأن أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وتصغیر منزلته، بدعوى أنه لم یكن له خبرة سیاسیة كافیة، وإلا لكان استمال هؤلاء، وخدع وغدر بأولئك واتبع سیاسة التمزیق والفتنة تجاه فریق، أو القهر والقوة تجاه آخرین، إلى غیر ذلك من الأسالیب السیاسیة الرخیصة التی نواجهها فی هذه الأیام، فتستقیم له بذلك الأمور، ویقوى موقعه فی الحكم.


فإنه (علیه السلام) فی نفس الوقت الذی التزم فیه بمبادئه، وبأحكام دینه فی كل مواقفه السیاسیة، وفی تعامله مع الأحداث، دون أن یحید عنها قید شعرة، قد حقق أهدافاً كبیرة یستحیل تحقیقها على أی من السیاسیین الذین یستعملون مختلف الأسالیب المنحرفة وغیر الإنسانیة فی سیاساتهم وفی مواقفهم.


وهذا هو ما تظهره الدراسة الموضوعیة النزیهة، والمنصفة، وهذا هو ما یفرضه الوجدان العلمی، وفق ما توفره النصوص التاریخیة والحدیثیة والرجالیة وغیرها.


ودع عنك كل الادعاءات والافتراءات التی تهدف إلى التزییف والتزویر للحقیقة، مما تنتجه عقول شیطانیة، ما عرفت من المعاییر والقیم الأخلاقیة والإنسانیة، والتوجیهات الإلهیة، إلا اسمها، من أجل أن












الصفحة 345


تستخدمها فی عملیاتها الخیانیة للتاریخ وللأمة، فهی أشد من الوحوش الضاریة فی فتكاتها بالقیم، وبالأخلاق، وبالدین، وبإنسانیة الإنسان فی كل مجالاتها واتجاهاتها، دونما رحمة ودون هوادة.


وبعد.. فإننا نأمل من أولئك المخلصین الذین یغارون على دینهم، وعلى مثلهم وعلى مقدساتهم أن یضاعفوا من جهودهم فی البحث والتحقیق، لإظهار الكثیر الطیب مما تعمدت الأیدی الآثمة طمسه، أو إبعاده عن الأنظار.


وفی الختام: إننی أعتذر إلى القارئ الكریم عما یجده من إیجاز یكاد یكون مخلاً فی موارد كثیرة.


وأسأله عز وجل أن یجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكریم، وأن یجعل ثوابه لشهید المحراب الأول علی أمیر المؤمنین صلوات ربی علیه وسلامه..


ولكل شهداء الإسلام..


فی كل زمان


وكل مكان..


والحمد لله، وصلاته وسلامه على عباده الذین اصطفى، محمد وآله الطیبین الطاهرین..


30 / محرم / 1411هـ.ق

قم المشرفة ـ إیران    

جـعفر مرتضى العاملی